منهج التعامل مع الضغوط والأزمات

عادة مايواجه الدعاة والمصلحون ضغوطا نفسية لدى استشعارهم لعظم وخطورة التحديات والأزمات المختلفة. ولاشك أن هذا الإحساس بالألم والقهر والخوف والقلق ردة فعل نفسية بشرية طبيعية،بل مما يثاب عليها المسلم (ما أصاب المؤمن من هم ولاغم ولا نصب- ولاوصب -ولا أذى حتى الشوكة يشاكها فيحمد الله إلا كفر الله من خطاياه ) رواه مسلم. إلا أنه من غير الطبيعي أن يبالغ الإنسان في ردة فعله فيخرج عن حال التوازن والاعتدال .
ولذلك فكثيرا ماكان الرب تعالى يذكر نبيه صلى الله عليه وسلم في عشرات الآيات بمثل قوله سبحانه :(لعلك باخع نفسك -أي مهلك وقاتل نفسك -إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ) ؟!. 
(فلا تذهب نفسك عليهم حسرات )
(ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون ) .
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين - لما رده قوم عبدياليل في الطائف : (فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب.. ) .
وتختلف ردة فعل الكثيرين بحسب اختلاف مناهج التربية والتعليم والنفسيات والبيئات وغيرها .والغالب على الكثيرين انتهاج الإفراط أو التفريط في مواجهة التحديات. كأن يبتلى الداعية بالإحباط فيلجأ إلى الانسحاب والعزلة والاشتغال باتهام العلماء والعاملين في حقل الدعوة و الجدال و الثرثرة غير الهادفة في المجالس ووسائل التواصل الاجتماعي كأسلوب من أساليب التنفيس عن الاحتقان وإلى أساليب في الحيل النفسية كالاستسلام السلبي للقدر أو الانشغال بأحاديث علامات الساعة وآخر الزمان وأحاديث الفتن والدجال والمهدي والسفياني والقحطاني و التهور في تنزيل ماصح منها ومالم يصح على الواقع ويعتذر بعضهم عن المواجهة بالعجز أو العزلة عن المجتمع والدعوة بسبب سوء التقويم والنظرة السوداوية للمجتمع (من قال هلك الناس فهو أهلكهم ) رواه مسلم. 
وعلى العكس فقد تكون ردة فعل البعض في انتهاج العنف والقوة غير المشروعة وغير المحسوبة والمتكافأة بسبب استفزاز الأعداء والمنكرات مما يستغله الخصم ويضر بالدعوة .
وعليه فإن الواجب - بصدد معالجة الضغوط النفسية والتحديات السياسية والاجتماعية وغيرها يتلخص في :
# حسن إجراء التقييم والنظرة الهادئة المدروسة والمتوازنة قبل إصدار الأحكام واتخاذ المواقف فإن (الحكم على الشيء فرع عن تصوره، وتصوره فرع عن الإحاطة به ).
ومن جميل ماذكر في ذلك أن جبريل عليه السلام لم يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم أن يطبق ملك الجبال الأخشبين (جبلين بمكة ) على ابن عبد ياليل إلا بعد أن استفاق من همه كما سبق ؛ ذلك لأن الصدمة والعجز يولدان الألم والضيق النفسي والتشوش الفكري وبالتالي الاستعجال في الفهم فالحكم فالتعامل واتخاذ المواقف. 
ومن هنا يتحتم على المسلم استشارة أهل العلم والحكمة الذين وصفهم القرآن ب (أهل الذكر ) (الراسخين في العلم ) ( الذين يستنبطونه منهم ).
# الانتقال من دائرة الشكوى والثرثرة والجدل إلى دائرة التنفيذ و العمل ،أو كما يقال :من دائرة المشكلة إلى دائرة الحل( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ).
# الاعتدال في الجمع بين النظرتين المثالية والواقعية ،فلا يقف عند المنبغي فعله- لتعذره أو تعسره أحيانا- ولكن بالممكن والمتاح المستطاع فعله (فاتقوا الله مااستطعتم ).
# الثقة بالله تعالى واللجوء إليه بالدعاء والتضرع عند المعضلات كما قال نبي الله يعقوب عليه السلام :(إنما أشكو بثي وحزني إلى الله ) ،واستصحاب معيته سبحانه كما قال نبي الله موسى عليه السلام لقومه :(كلا إن معي ربي سيهدين ) وقال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لصاحبه الصديق : (لاتحزن إن الله معنا ).
وفي الحديث عند البخاري (يرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد ) وهو معنى قول لوط عليه السلام لقومه :(لو ان لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد )
# وأخيرا ..فإن النظرة غير المدروسة و المتوازنة تفضي إلى ردود أفعال و اتخاذ مواقف ومواجهات غير متوازنة وغير مدروسة على أسس من نور الشرع والعقل والحكمة والمصلحة. فلا عجب أن تنبني عليها الوقوع في مفاسد أعظم وتعطيل مصالح أكبر وإلى الإضرار بالمصالح الدعوية والصحة النفسية و الله المستعان. 
ومن هنا يمكن فهم التوجيه الإلهي لنبيه حيث يقول سبحانه : ( (ولايستخفنك الذين لايوقنون ). 
وصدق الله : ( والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون ).