التميز: سمة الطموحين الأقوياء

🔸تعد ميادين العلوم والفنون والأعمال في القديم و الحديث، ساحات واسعة عامرة بالعاملين ، وذلك  في عموم ميادين العلوم الشرعية والمعاصرة والإدارة والحكم وغيرها. 
🔸ورغم كثرة المشتغلين بهذه المجالات، فإن النجاح وحده لدى أهل الطموح والقوة لا يكفي، بل يتقدم عليه لديهم الإبداع والتفوق، ويبقى التميز أعظمها نفعا وأعمها أثرأ، وهو الغاية التي ينشدها القلة النادرة من المبدعين الأقوياء الطموحين في الماضي والحاضر. 
🔸فالتميز هو في الأساس هبة من الله تعالى، ثم هو نتاج جهد واجتهاد، وثمرة مثابرة وصبر وعلو همة كما قال تعالى:
{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُؤْمِنِينَ}
"دَبَبْتُ للمجدِ والساعون قد بلغوا
جَهْدَ النفوس وألقَوا دونه الأُزُرا
وكابدوا المجد حتى ملَّ أكثرُهم
وعانقَ المجدَ مَن أوفى ومَن صَبَرا
لا تحسَبِ المجدَ تمرًا أنتَ آكلُه
لن تبلغَ المجد حتى تلعَق الصَّبِرا"
🔸ونحن إذا راجعنا السير الذاتية للأنبياء، والقادة، والعلماء، نجد أن سمة التميز كانت دائمًا العلامة الفارقة بينهم. وعلى الرغم من تزايد أعداد خريجي الجامعات والدعاة، إلا أن قلة منهم فقط تبرز كنماذج للتميز، مثل أئمة الدعوة السلفية المعاصرة : الألباني، وابن باز، والعثيمين - رحمهم الله - الذين كانوا علامات بارزة في مجالات العلم والدعوة، من غير غمط لوفرة من المتميزين الآخرين أيضا. 
ومن هنا، تتجلى أهمية التميز النوعي على الكم، إذ أن كثرة الكتب والبحوث والشهرة والألقاب  لا تعني بالضرورة إضافة علمية أو فكرية نوعية؛ بدليل أننا نجد أن الثقة والإقبال في المجالات كافة لا يكون إلا على تلك القلة التي أثبتت كفاءتها وجدارتها في ميادين تخصصها.
🔸وفي الصحيحين عن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( إِنَّمَا النَّاسُ كَالإِبِلِ المِائَةِ ، لاَ تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً )
والمعنى : أَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ أَهْلُ نَقْصٍ، وَأَمَّا أَهْلُ الْفَضْلِ فَعَدَدُهُمْ قَلِيلٌ جِدًّا، فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الرَّاحِلَةِ فِي الْإِبِل الحمولة، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى : (وَلَكِن أَكثر النَّاس لَا يعلمُون). 
🔸ولا يمكن تحقيق التميز إلا عبر هذه الشروط الأساسية، 
🔸اختيار التخصص أو المجال الذي يتوافق مع ميول الفرد وشغفه، ومدى قدرته العقلية والبدنية، مع دراسة حاجة المجتمع لذلك التخصص، خاصة ما يغطي فرض كفاية أو أولويات مجتمعية محددة.
🔸مجاهدة النفس على تحقيق الإخلاص لله تعالى في العمل، مع اجتناب الرياء، والظهور، والسمعة، والشهرة، لأن العمل لله وحده يُبارك ويرفع صاحبه في الدنيا والآخرة.
🔸الالتزام بالإتقان والجودة، مع الانضباط الذاتي، والابتكار، والمبادرة، ومواصلة التعلم والتطوير المهني.
🔸التمسك بروح المسؤولية، والأمانة العلمية، والتعاون، والعمل الجماعي بروح الفريق الواحد.
🔸 فلنكن علامات فارقة في مجتمعاتنا، ومرآة صادقة تعكس قيمنا ومبادئنا، وصدق الله تعالى إذ يقول : "فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ" (سورة الرعد، 17).